بقلم/الكاتب الشاعر د. علاوة درارجه

تلة المدينة (قصة قصيرة ) ...
بقلم : الدكتور علاوة درارجة
اليوم الأول /
انتصف الليل ، وانطفأت مصابيح المدينة و ترجل الراكبون ونام كل مستيقظ زار المدينة و خرج ، و الرجل الذي غنى للحياة لم يعد يسمع شيئا من ضجيج الرحمة الملقاة على جانبي الطريق ... النار التي تقتله هي نفس النار التي تحييه ، ونفس الوطن الذي يحضنه هو نفس الوطن الذي ينفيه ، و السماء التي تنعشه هي نفس السماء التي تبكيه ، غنى لكل شيء ، كان يرتدي بدلة كلاسيكية سوداء ويحمل في يده صورة الرحمة التي يحملها في قلبه المشتعل و أمام تلة المدينة تنهد بمرارة عن فقدان صاحب الهيكل المتوج بالتبجيل ، جلس على رصيف مكسور عيناه تفيض دمعا لفقدان صديقه ، تمر من أمامه امرأة جميلة تسر الناظرين ، على كتفيها خمار أسود شعشعت من خلال عيناها أضواء المدينة وترصعت يداها بجواهر منقوشة بأنغام الزمرد فوقف ونادى : سيدتي ، سيدتي فالتفتت ناظرة إليه تباغته بعينيها اللواتي تبحر في سر منقبض إلى أن أحدثت رجفة لم يكن يدرك أن تبعثره مثل ذرات الرماد ، و سألها بصوت خافت من شدة حزنه على رفيقه ،، ألست التي سكنت الدير ورحلت ، ألست من أحببت و عشقت و تطلعت معك لحياة الصفصاف فعرفت أن المتحدث هو النور و النار هو الجنة و الجحيم ، هو الحياه التي جعلتها حورية جاءت من أبواب السماء ، فوقفت ، فتجمدت روحها في داخلها و عرفت صوت من عشقها و أحبها .
واستدار يبحث عن أفق يتحدث إليه ،، فلم يجد سوى صدى الهياكل التي كانت هناك في يوم ما واحتضنت الحب السرمدي تحت صفصافة تقيهم حرارة الشمس وأمطار الشتاء ، . صاحت في صمت و جعلت من الليل نهار عندما قالت له أنا المتوجة باسم الدير و الهيكل حينها تيقن أن من تقف أمامه هي الوطن الذي احتواه ، و جعل منه روضة تشع من خلف الزجاج ...

اليوم الثاني /
ترتجف يديها ، تمد يدها نحو سراب مجنح تضعها على تلة الجسد لترتاح من تعب الوهن ، ثم تقف لتبحث عن الذي ناداها فلا تجد سوى الصدى من خلف زجاج المدينة ، و الريح يعصف بخمارها الأسود ولكن ابتسامتها العريضة غدت ماض لا يبتلعه الماضي من مرارة المشهد و الحياة فكانت زهو المدينة و حب المدينة وصفصافة المدينة ، وعند مصعد الدير صارت عبثا لتلة كانت في الماضي صخرة المشهد الليلي وزحفت نحو الأسفل ..

اليوم الثالث /
هذه الصورة المشتتة لا توجد إلا في ذهنها هي من رمت الماضي و الحاضر و مزقت المستقبل ، تريد أن تبحث عن أي شيء لا تحبه حتى تكره ما تحبه ، كان يردد هذا الكلام و هو فراشه الذي وضعه إلى جانب بيت كلبه الذي لا يفارقه ، فراشه الذي تسكنه رائحة الموت كان يستمتع به و هو في أحضان ذلك الغطاء الذي زال لونه من فرط الإهمال ، يقف طويلا أمام مرآة مكسورة الجوانب ليرى كيف حولته الأيام من رجل كالجبل إلى هيكل كالجمل ....ومن وطن كان يحميه إلى ريح صار يرميه كغبار القبور في ليالي قاتمة ، غادر مكانه تاركا وراءه سوى فراش الموت وفوضى الزمن متجها لهيكله الذي اعتاد الصلاة فيه ،، فلم يجد في طريقه التلة المترامية على أطراف المدينة وعاد من أول الطريق ، ليعيد ذاكرة الزمن الذي رحل مع تلك المرأة ذات الخمار الأسود ،، مبتسما مع كلبه هذه هي حياة الكلاب ، اليوم في الوطن ،،وغدا في الوهن ..أصابته هستيريا الضحك يحضن كلبه الذي خاف أن يفقده أيضا وترامى به خلف تلة المدينة ...

اليوم الرابع /
تخرج من مسكنها و تتواري عن الناس ، ثم تظهر فجأة بحلتها الجديدة ، أرادت بها حياة أخرى غير التي عاشتها ...فجاءها المخاض وانزوت في زاوية المعبد ، لا أحد يذكرها ، لا أحد ينظر إليها ، وعاشت لحظة الميلاد في عالم لا يعرف لحظة الميلاد ...

عين دال

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشاعر / حسن علي النشار

بقلم الشاعر/أيمن الصاوي

بقلم الأديب الشاعر/د. الشريف حسن ذياب الخطيب