بقلم الأديب /تيسير المغاصبه

(في عتمة الحافلة )
  سلسلة قصصية
 " الموسم الرابع "
               ٢٠٢٣
-------------------------------------------------------

   القصة الخامسة 
"لاقيود في الحب"
        -٢-

في الحقيقة كنت أخشى أن أصدم بالرفض ،ولهذا لم أنظر في عينيها ؛لكن إنشرح صدري ولم اتمالك نفسي من الفرح عندما أجابت بسرعة ودون تردد :

-موافقة؟

تراجعت عن فعلي كعاشق مجنون بعد أن احتضنتها دون وعي مني، 
بقينا نتجول معا في الظلام ؛رفيق العشاق وسترهم ،ويشهد قصة حبنا القمر لنعش لحظات حب تخزنها الذاكرة مدى العمر ويسجلها تاريخ العشاق والمحبين. 
عدنا إلى المكان وكان فيه القليل من الساهرين..أشار حسن إلي من بعيد مناديا بأن أتوجه إلى الحافلة ،
حضر النادل ،قلت له موضحا وأنا كلي سعادة :

-أن هؤلاء ليس خليجييون، ثم هم الذين إستضافوني؟

تلفت النادل حوله ويبدو من نظراته أنه لم ير أحد، نظر إلي مستغربا وقال:

-تفضل ياأستاذ إلى الإستراحة لدفع الحساب هناك؟

سرت معه إلى الإستراحة ودفعت ثمن العشاء الذي لم اتناوله ومن ثم عدت إلى الحافلة بينما النادل لايزال يراقبني من بعيد مستغربا ، قلت في نفسي لربما سبقني الجميع ومعهم شهرزاد إلى الحافلة.
وبالفعل عندما وصلت إلى الحافلة كان صديقي حسن وفتاته التي لم أعرف اسمها إلا الأن ، ينتظراني قرب الحافلة وقال :

-الأن سننطلق ولن نتوقف إلا قرب الشاطىء لنشعل النار ونسترح قليلا، أرجو أن تكون قد اعجبتك الرحلة ياصديقي؟

-في الحقيقة لم أذهب طيلة حياتي برحلة في جمال هذه الرحلة ،حقا أنا ممتن لك ياصديقي ..لكن لماذا نشعل النار ..أحد يشعل النار في شهر تموز.
قال ساخرا :

-أعجب من أمرك والله ،فنان يقول مثل هذا الكلام ..أن النار أولا هي ونيسة العشاق ؟

-وثانيا.

-وثانيا للإنارة .

ضحكت الفتاة ضحكتها الساحرة لكن قلبي كان قد تعلق بشهرزاد وكنت لاأزال هائما بها ،
أطل علي طفل صغير من باب الحافلة وذلك ذكرني بأن أسأل صديقي حسن :

-لم تخبرني أن الملائكة مسافرين معنا أيضا على متن حافلتك؟

-الملائكة؟

اعتقد حسن بأني أقصد فتاته ،كما اعتقدت هي أيضا الاعتقاد نفسه فضحكت الفتاة ثانية ضحكتها السالبة للعقول وقال حسن وهو يضمها إلى صدره :

-حسنا ياصديقي الفنان "وشدد على كلمة فنان " لقد بدأت أخشى منك أن تختطف حبيبتي مني هههههههه هيا ..هيا بنا يا حنان.

قلت مدابا كلاهما :

- أن فتاتك الساحرة تستحق من يختطفها ليعيش معها في جزيرة بعيدة تستحقها بأي لحظة ياصديقي ..لابد لك من السهر على حراستها، الأن عرفت أسمها ..حنان..الله على روعة الأسماء .

وفي الحقيقة حتى لو لم أتعرف على شهرزاد فلن أسمح لنفسي بالوقوع بحب حبيبة صديقي حتى لو إضطرني الأمر إلى الإبتعاد عنه.

صعدت درجات الحافلة وكم كانت سعادتي عندما رأيت الجميع قد سبقوني إليها.

* * * * * * * * * * *
مع إنارة الحافلة المؤقت من الداخل 
كانت وجوههم جميلة جدا بل حتى كلابهم وقططهم كانت أيضا جملة ، والغريب أن حيواناتهم كانت ترتدي الحلي والقلائد الثمينة جدا،
إحترت أين أجلس بينما كان كل منهم يرحب بي ويدعوني للجلوس إلى جانبه ،وحتى لا أخيب آمال أي منهم توجهت إلى مقعدي حيث توجد حقيبتي وكتاب صديقي مأمون الموجود على المقعد الملاصق لمقعدي .
وصلت إلى مقعدي ..رأيت قطة بيضاء جميلة جدا كانت ترتدي كامل زينتها ،وكانت تعبث بالكتاب وتقلب صفحاته.
جلست وحملتها ووضعتها باحضاني فبدأت بلعق يدي ووجهي بلسانها الشديد الخشونة
بينما كنت أتلفت حولي بحثا عن شهرزاد ،وعندما لم أرها وضعت القطة جانبا ونهضت متوجها إلى الوراء ومن ثم إلى الطابق الأول ..لكني لم أجدها ،
صعدت خائبا إلى الطابق الثاني متوجها إلى مقعدي ،لكن عندما وصلت كانت سعادتي لاتوصف ؛ رأيتها تجلس إلى جانب مقعدي وتحمل الكتاب بيدها متصفحة به،وكانت معظم حليها التي ترتديها أشبه إلى حد كبير بالحلي التي كانت ترتديها القطة التي كانت جالسة قبل قليل على المقعد ذاته ،بل خيل إلي بأن الحلي هي نفسها .
أطفأت الأنوار وقد كان ذلك حافزا لي مع إشتداد شوقي إليها لاحتضنها وأهمس إليها:

-أرجو بأن لا تذهبي من أمامي ثانية ياعزيزتي وزوجتي المستقبلية هههههه؟

قالت بدلال يفوق دلال حنان هذه المرة:

-لكني لم أذهب إلى أي مكان ياعزيزي، لأني لاأحتمل الإبتعاد عنك.
 
بعد ساعة تقريبا غفيت شهرزاد على صدري ،ولم أشعر بنفسي وأنا أميل برأسي الذي بدا ثقيل جدا على رأسها وشعرها الجميل الملون وأغفو أيضا.
أفقت بعد أن خيل إلي بأني سمعت صوت خرير قطة ولعقات على وجهي بلسان شديد الخشونة ..تلفت حولي لكني لم أر أي قطة قريبة مني.
إستمر ذلك العناق الذي تسبب لي بالخمول والخدر الغريبان حتى وصلت الحافلة إلى ميناء العقبة،وتوقفت الحافلة قرب الشاطىء ..بعد دقائق فتح الباب ،رأيت صديقي حسن أمامي في الحافلة يرعشني وقال لي:

-هل فقدت حاسة سمعك ياصديقي، لقد بح صوتي وأنا اناديك ؟

-من حسن .

-لا أنا حسنين ،هيا ساعدني على إشعال النار ؟

نهضت ..تلفت حولي كان الجميع نيام بما فيهم شهرزاد، فخرجت مع صديقي حسن.
لفحني الهواء الساخن ..كانت حنان جالسة على الشاطىء وابتسمت ابتسامتها الجميلة عندما رأتني وقالت:

-اسعدت مساء أستاذ؟

-مساء الورد ياعزيزتي الجميلة أشرقت الأنوار.

قال حسن وهو يجذبني من يدي:

-دعك من أملاك الأخرين وتعال معي ؟

مشيت معه ..فتح صندوق الحقائب ..أخرج منه كيس يحتوي على الحطب والمواد المساعدة على الاشتعال وبسرعة كانت النار مشتعلة ،بعد أن أعد حسن القهوة قال لي قول فيه بعض السخرية :

-الأن أحضر عودك وأسمعنى مالديك يافنانا الرائع ؟

-حاضر ياصديقي .

توجهت إلى الحافلة ،كانت شهرزاد تطل علي من وراء الحافلة ..جريت إليها واحتضنتها بشوق وشغف كما وإنا لم نكن في عناق طوال الرحلة ،
قلت لها :

-الأن إنتظريني هناك عند أصدقائي حتى أحضر عودي ياعزيزتي وسوف اغني لك وحدك؟

-حسنا ياعزيزي.

دخلت إلى الحافلة، كان الجميع لازالوا نياما ..أخذت عودي وعدت إلى الشاطىء ،كانت شهرزاد تجلس بعيدا عن النار ،أما حسن فامسك بحنان وجذبها إليه لتستلقي وتضع رأسها على ركبته ،لكنها وعندما رأتني نهضت بضيق من فعله رافضة ذلك الوضع مفضلة الجلوس.
  قلت وأنا صادق بقولي:

-الأن كل مع حبيبته وأما أنا فسأعزف وسأغني؟

قال حسن :

يامسكين ههههههههه.

لحظات و خرج الجميع من الحافلة وإلتفوا حولنا جاعلين حلقة كبيرة وبدأ الرقص والغناء كالسابق. 

* * * * * * * * * * *

بينما كنت أعزف على عودي وأغني وقد انتصف الليل ،نهضت حنان وقالت :

-من بعد اذنكم أنا ذاهبة إلى التواليت ؟

ثم نظرت إلي وقالت :

-لاتتابع الغناء إلا عندما أعود حتى لايفوتني شيء؟

قلت :

-كما تريدين ياعزيزتي. 

قال حسن ممازحا :

-أأ ذهب معك.

ردت ضاحكة :

-لااستطيع الذهاب وحدي؟

وضعت عودي جانبا وقلت لحسن وأنا أمسك بيد شهرزاد ونبتعد عن وهج النار :

-لنبتعد قليلا عن نارك وسنرجع بعد أن تعود حنان ؟

-ولماذا صيغة الجمع ياصديقي. 

وقبل أن أجيبه رجعت حنان وهي تصرخ فزعة وقد بللت ثيابها ،أحتضنها حسن وقال:

-مابك ياعزيزتي..فلاشي يدعو إلى الخوف هنا؟

قالت وهي لاتزال تصرخ فزعة:

-هناك..هناك .. في الداخل ؟
قلت :

-هل يمكن أن تكون ذعرت من الكلاب والقطط ؟

قال حسن :

-ماذا تقول أنت ..أي كلاب وأي قطط ..ومن أين ستأتي الكلاب والقطط ؟

جرى حسن إلى الحافلة ..كنت سألحق به لولا أن حنان جرت إلي واحتضنتي كالطفلة الصغيرة .
لم أستطع ابعادها بسبب تشبثها بي وشعرت بالحرج منها ومن شهرزاد ،
أحطتها بذراعي اليمنى وقلت وأنا أربت على ظهرها :

-إهدئي ياعزيزي إهدئي؟

لحظات وعاد حسن ثائرا كالمجنون يصرخ ويلعن وبيده الكتاب ،وعندما رأى حنان بين أحضاني إزدادت ثورته وقال :

-ماهذا الذي في حوزتك أنك لست فقط خائن للصداقة بل مشعوذ حقير ..كتاب لتحضير الجان ..كتاب ..لتحضير الجان وتدعي بأنك فنان رقيق ..الأن علمت لماذا تحمست للسفر معي ،لقد كان ذلك لأجل حنان كعادتك محاولا اختطافها مني بسبب غيرتك وحسدك لي ،تريد أن تسحرنا أليس كذلك؟

-حسن ..ماذا تقول أن ماحدث كان رغما عنا أنها مذعورة ؟

ثم أبعدت حنان عني برفق بينما قام حسن
بقطع الكتاب إلى نصفين ومن ثم رمى به في النار لتلتهمه النار بسرعة ،قلت :

-لماذ فعلت ذلك أن الكتاب ليس لي وهو يخص لصديقنا مأمون ..وهو أمانة معي؟

قال وهو لايزال ثائرا:

-أنت ومأمون مجانين ..سحرة ..مهزوزين تحسدون غيركم على مايملكون؟

-لا يمكن لإنسان أن يمتلك إنسانا أخر ياصديقي ..وأنا دائما أتمنى لك الخير ،وثم إن كانت حنان تحبك بصدق فلن تتخلى عنك أبدا .

-لاتتمادى بخبثك أيها اللعين ..ثم جرى إلى عودي يريد تحطيمه أو إحراقه لاأعلم ،جريت إليه لامنعه وقلت له محذرا :

-لا تلمس عودي ..أفعل أي شي لكن لاتلمس عودي ؟

قال :

-حسنا ..سأفعل .

ثم دفعني بطريقة لم أتوقعها لاسقط أرضا وإنقض علي وبدأنا بالتدحرج على الرمال..لم أكن أريد رفع يدي عليه ،ولم أتوقع أن أفعلها يوما فقد كنت أكن له الكثير من المودة والمحبة ،لقد كنت أدافع فقط .
لم يتوقف ذلك العراك الذي كان مابين مهاجم ومدافع حتى صرخت حنان:

-يكفي ..يكفي ؟

ثم أجهشت بالبكاء.
قال حسن:

-حسنا من الأن سنفترق إلى الأبد إنسى أن لك صديقا أسمه حسن؟

قلت :

-الحمد لله أني لم أسيء إليك ياصديقي ..لكني موافق وسأخرج من حياتك ؟

قالت حنان موجهه كلامها لحسن:

-أين ستترك صديقك في هذا الظلام قد نكون بعيدون عن المدينة ؟

-ليذهب إلى الجحيم ،فهو لم يعد صديقي، أنه خائن ..لقد كنت مخدوعا به طوال الوقت .

-لم يخنك أبدا ..أنت وأهم.

تركتهم وتوجهت إلى الحافلة لأخذ حقيبتي وقد إختفى من أمامي الجميع ،جميع الضيوف بما فيهم شهرزاد ،
وسمعت حنان تقول لحسن :

-على الأقل هو لم ينظر إلى جسدي كأنت ..لم أكن أعلم بأنك تعتبرني من ممتلكاتك ياحسن؟

-هل سمم أفكارك ذلك اللعين .

حملت حقيبتي وعدت إليه وقلت قبل أن أستدير :

-حسنا أنت إتخذت قرارك وأنا وافقت وبكل أسف ياحسن ،الوداع؟

قالت حنان :

-أين ستذهب في هذا الظلام ونحن قد نكون بعيدون عن المدينة لابد أن نوصلك بالحافلة؟

قال حسن :

-إتركيه يذهب إلى الجحيم لن يبقى معنا.

-قلت :

-أشكرك آنستي ..أعتذر عن ماتسببت به والذي كان رغما عني ولاعلم لي به،
بل وكنت حتى تلك اللحظة لا أؤمن بتلك الأمور أبدا ؟

قالت حنان :

-أنا أصدقك .

في تلك اللحظة وقف حسن بيني وبينها ومد أصبعه يشير لي إلى الدرب ونظر إلي طالبا مني المغادرة ،
ثم إستدرت ومشيت بينما أجهشت حنان بالبكاء من جديد ،وحسن لايزال ثائرا.

* * * * * * * * * * *

مشيت إلى جانب الشاطىء الطويل جدا وأنا أنظر عسى أن أرى الأضواء من بعيد، ولا أنيس لي سوى القمر في السماء ،
وقد أدركت في تلك اللحظة بأن شهرزاد وقومها لم يكونوا سوى قوم من الجان حضروا بسبب كتاب صديقي مأمون..وقد إختفوا بمجرد حرق الكتاب .

             "إنتهت القصة"
   وإلى قصة أخرى....

تيسيرالمغاصبه 
١٤-٧-٢٠٢٣(في عتمة الحافلة )
  سلسلة قصصية
 " الموسم الرابع "
               ٢٠٢٣
-------------------------------------------------------

   القصة الخامسة 
"لاقيود في الحب"
        -٢-

في الحقيقة كنت أخشى أن أصدم بالرفض ،ولهذا لم أنظر في عينيها ؛لكن إنشرح صدري ولم اتمالك نفسي من الفرح عندما أجابت بسرعة ودون تردد :

-موافقة؟

تراجعت عن فعلي كعاشق مجنون بعد أن احتضنتها دون وعي مني، 
بقينا نتجول معا في الظلام ؛رفيق العشاق وسترهم ،ويشهد قصة حبنا القمر لنعش لحظات حب تخزنها الذاكرة مدى العمر ويسجلها تاريخ العشاق والمحبين. 
عدنا إلى المكان وكان فيه القليل من الساهرين..أشار حسن إلي من بعيد مناديا بأن أتوجه إلى الحافلة ،
حضر النادل ،قلت له موضحا وأنا كلي سعادة :

-أن هؤلاء ليس خليجييون، ثم هم الذين إستضافوني؟

تلفت النادل حوله ويبدو من نظراته أنه لم ير أحد، نظر إلي مستغربا وقال:

-تفضل ياأستاذ إلى الإستراحة لدفع الحساب هناك؟

سرت معه إلى الإستراحة ودفعت ثمن العشاء الذي لم اتناوله ومن ثم عدت إلى الحافلة بينما النادل لايزال يراقبني من بعيد مستغربا ، قلت في نفسي لربما سبقني الجميع ومعهم شهرزاد إلى الحافلة.
وبالفعل عندما وصلت إلى الحافلة كان صديقي حسن وفتاته التي لم أعرف اسمها إلا الأن ، ينتظراني قرب الحافلة وقال :

-الأن سننطلق ولن نتوقف إلا قرب الشاطىء لنشعل النار ونسترح قليلا، أرجو أن تكون قد اعجبتك الرحلة ياصديقي؟

-في الحقيقة لم أذهب طيلة حياتي برحلة في جمال هذه الرحلة ،حقا أنا ممتن لك ياصديقي ..لكن لماذا نشعل النار ..أحد يشعل النار في شهر تموز.
قال ساخرا :

-أعجب من أمرك والله ،فنان يقول مثل هذا الكلام ..أن النار أولا هي ونيسة العشاق ؟

-وثانيا.

-وثانيا للإنارة .

ضحكت الفتاة ضحكتها الساحرة لكن قلبي كان قد تعلق بشهرزاد وكنت لاأزال هائما بها ،
أطل علي طفل صغير من باب الحافلة وذلك ذكرني بأن أسأل صديقي حسن :

-لم تخبرني أن الملائكة مسافرين معنا أيضا على متن حافلتك؟

-الملائكة؟

اعتقد حسن بأني أقصد فتاته ،كما اعتقدت هي أيضا الاعتقاد نفسه فضحكت الفتاة ثانية ضحكتها السالبة للعقول وقال حسن وهو يضمها إلى صدره :

-حسنا ياصديقي الفنان "وشدد على كلمة فنان " لقد بدأت أخشى منك أن تختطف حبيبتي مني هههههههه هيا ..هيا بنا يا حنان.

قلت مدابا كلاهما :

- أن فتاتك الساحرة تستحق من يختطفها ليعيش معها في جزيرة بعيدة تستحقها بأي لحظة ياصديقي ..لابد لك من السهر على حراستها، الأن عرفت أسمها ..حنان..الله على روعة الأسماء .

وفي الحقيقة حتى لو لم أتعرف على شهرزاد فلن أسمح لنفسي بالوقوع بحب حبيبة صديقي حتى لو إضطرني الأمر إلى الإبتعاد عنه.

صعدت درجات الحافلة وكم كانت سعادتي عندما رأيت الجميع قد سبقوني إليها.

* * * * * * * * * * *
مع إنارة الحافلة المؤقت من الداخل 
كانت وجوههم جميلة جدا بل حتى كلابهم وقططهم كانت أيضا جملة ، والغريب أن حيواناتهم كانت ترتدي الحلي والقلائد الثمينة جدا،
إحترت أين أجلس بينما كان كل منهم يرحب بي ويدعوني للجلوس إلى جانبه ،وحتى لا أخيب آمال أي منهم توجهت إلى مقعدي حيث توجد حقيبتي وكتاب صديقي مأمون الموجود على المقعد الملاصق لمقعدي .
وصلت إلى مقعدي ..رأيت قطة بيضاء جميلة جدا كانت ترتدي كامل زينتها ،وكانت تعبث بالكتاب وتقلب صفحاته.
جلست وحملتها ووضعتها باحضاني فبدأت بلعق يدي ووجهي بلسانها الشديد الخشونة
بينما كنت أتلفت حولي بحثا عن شهرزاد ،وعندما لم أرها وضعت القطة جانبا ونهضت متوجها إلى الوراء ومن ثم إلى الطابق الأول ..لكني لم أجدها ،
صعدت خائبا إلى الطابق الثاني متوجها إلى مقعدي ،لكن عندما وصلت كانت سعادتي لاتوصف ؛ رأيتها تجلس إلى جانب مقعدي وتحمل الكتاب بيدها متصفحة به،وكانت معظم حليها التي ترتديها أشبه إلى حد كبير بالحلي التي كانت ترتديها القطة التي كانت جالسة قبل قليل على المقعد ذاته ،بل خيل إلي بأن الحلي هي نفسها .
أطفأت الأنوار وقد كان ذلك حافزا لي مع إشتداد شوقي إليها لاحتضنها وأهمس إليها:

-أرجو بأن لا تذهبي من أمامي ثانية ياعزيزتي وزوجتي المستقبلية هههههه؟

قالت بدلال يفوق دلال حنان هذه المرة:

-لكني لم أذهب إلى أي مكان ياعزيزي، لأني لاأحتمل الإبتعاد عنك.
 
بعد ساعة تقريبا غفيت شهرزاد على صدري ،ولم أشعر بنفسي وأنا أميل برأسي الذي بدا ثقيل جدا على رأسها وشعرها الجميل الملون وأغفو أيضا.
أفقت بعد أن خيل إلي بأني سمعت صوت خرير قطة ولعقات على وجهي بلسان شديد الخشونة ..تلفت حولي لكني لم أر أي قطة قريبة مني.
إستمر ذلك العناق الذي تسبب لي بالخمول والخدر الغريبان حتى وصلت الحافلة إلى ميناء العقبة،وتوقفت الحافلة قرب الشاطىء ..بعد دقائق فتح الباب ،رأيت صديقي حسن أمامي في الحافلة يرعشني وقال لي:

-هل فقدت حاسة سمعك ياصديقي، لقد بح صوتي وأنا اناديك ؟

-من حسن .

-لا أنا حسنين ،هيا ساعدني على إشعال النار ؟

نهضت ..تلفت حولي كان الجميع نيام بما فيهم شهرزاد، فخرجت مع صديقي حسن.
لفحني الهواء الساخن ..كانت حنان جالسة على الشاطىء وابتسمت ابتسامتها الجميلة عندما رأتني وقالت:

-اسعدت مساء أستاذ؟

-مساء الورد ياعزيزتي الجميلة أشرقت الأنوار.

قال حسن وهو يجذبني من يدي:

-دعك من أملاك الأخرين وتعال معي ؟

مشيت معه ..فتح صندوق الحقائب ..أخرج منه كيس يحتوي على الحطب والمواد المساعدة على الاشتعال وبسرعة كانت النار مشتعلة ،بعد أن أعد حسن القهوة قال لي قول فيه بعض السخرية :

-الأن أحضر عودك وأسمعنى مالديك يافنانا الرائع ؟

-حاضر ياصديقي .

توجهت إلى الحافلة ،كانت شهرزاد تطل علي من وراء الحافلة ..جريت إليها واحتضنتها بشوق وشغف كما وإنا لم نكن في عناق طوال الرحلة ،
قلت لها :

-الأن إنتظريني هناك عند أصدقائي حتى أحضر عودي ياعزيزتي وسوف اغني لك وحدك؟

-حسنا ياعزيزي.

دخلت إلى الحافلة، كان الجميع لازالوا نياما ..أخذت عودي وعدت إلى الشاطىء ،كانت شهرزاد تجلس بعيدا عن النار ،أما حسن فامسك بحنان وجذبها إليه لتستلقي وتضع رأسها على ركبته ،لكنها وعندما رأتني نهضت بضيق من فعله رافضة ذلك الوضع مفضلة الجلوس.
  قلت وأنا صادق بقولي:

-الأن كل مع حبيبته وأما أنا فسأعزف وسأغني؟

قال حسن :

يامسكين ههههههههه.

لحظات و خرج الجميع من الحافلة وإلتفوا حولنا جاعلين حلقة كبيرة وبدأ الرقص والغناء كالسابق. 

* * * * * * * * * * *

بينما كنت أعزف على عودي وأغني وقد انتصف الليل ،نهضت حنان وقالت :

-من بعد اذنكم أنا ذاهبة إلى التواليت ؟

ثم نظرت إلي وقالت :

-لاتتابع الغناء إلا عندما أعود حتى لايفوتني شيء؟

قلت :

-كما تريدين ياعزيزتي. 

قال حسن ممازحا :

-أأ ذهب معك.

ردت ضاحكة :

-لااستطيع الذهاب وحدي؟

وضعت عودي جانبا وقلت لحسن وأنا أمسك بيد شهرزاد ونبتعد عن وهج النار :

-لنبتعد قليلا عن نارك وسنرجع بعد أن تعود حنان ؟

-ولماذا صيغة الجمع ياصديقي. 

وقبل أن أجيبه رجعت حنان وهي تصرخ فزعة وقد بللت ثيابها ،أحتضنها حسن وقال:

-مابك ياعزيزتي..فلاشي يدعو إلى الخوف هنا؟

قالت وهي لاتزال تصرخ فزعة:

-هناك..هناك .. في الداخل ؟
قلت :

-هل يمكن أن تكون ذعرت من الكلاب والقطط ؟

قال حسن :

-ماذا تقول أنت ..أي كلاب وأي قطط ..ومن أين ستأتي الكلاب والقطط ؟

جرى حسن إلى الحافلة ..كنت سألحق به لولا أن حنان جرت إلي واحتضنتي كالطفلة الصغيرة .
لم أستطع ابعادها بسبب تشبثها بي وشعرت بالحرج منها ومن شهرزاد ،
أحطتها بذراعي اليمنى وقلت وأنا أربت على ظهرها :

-إهدئي ياعزيزي إهدئي؟

لحظات وعاد حسن ثائرا كالمجنون يصرخ ويلعن وبيده الكتاب ،وعندما رأى حنان بين أحضاني إزدادت ثورته وقال :

-ماهذا الذي في حوزتك أنك لست فقط خائن للصداقة بل مشعوذ حقير ..كتاب لتحضير الجان ..كتاب ..لتحضير الجان وتدعي بأنك فنان رقيق ..الأن علمت لماذا تحمست للسفر معي ،لقد كان ذلك لأجل حنان كعادتك محاولا اختطافها مني بسبب غيرتك وحسدك لي ،تريد أن تسحرنا أليس كذلك؟

-حسن ..ماذا تقول أن ماحدث كان رغما عنا أنها مذعورة ؟

ثم أبعدت حنان عني برفق بينما قام حسن
بقطع الكتاب إلى نصفين ومن ثم رمى به في النار لتلتهمه النار بسرعة ،قلت :

-لماذ فعلت ذلك أن الكتاب ليس لي وهو يخص لصديقنا مأمون ..وهو أمانة معي؟

قال وهو لايزال ثائرا:

-أنت ومأمون مجانين ..سحرة ..مهزوزين تحسدون غيركم على مايملكون؟

-لا يمكن لإنسان أن يمتلك إنسانا أخر ياصديقي ..وأنا دائما أتمنى لك الخير ،وثم إن كانت حنان تحبك بصدق فلن تتخلى عنك أبدا .

-لاتتمادى بخبثك أيها اللعين ..ثم جرى إلى عودي يريد تحطيمه أو إحراقه لاأعلم ،جريت إليه لامنعه وقلت له محذرا :

-لا تلمس عودي ..أفعل أي شي لكن لاتلمس عودي ؟

قال :

-حسنا ..سأفعل .

ثم دفعني بطريقة لم أتوقعها لاسقط أرضا وإنقض علي وبدأنا بالتدحرج على الرمال..لم أكن أريد رفع يدي عليه ،ولم أتوقع أن أفعلها يوما فقد كنت أكن له الكثير من المودة والمحبة ،لقد كنت أدافع فقط .
لم يتوقف ذلك العراك الذي كان مابين مهاجم ومدافع حتى صرخت حنان:

-يكفي ..يكفي ؟

ثم أجهشت بالبكاء.
قال حسن:

-حسنا من الأن سنفترق إلى الأبد إنسى أن لك صديقا أسمه حسن؟

قلت :

-الحمد لله أني لم أسيء إليك ياصديقي ..لكني موافق وسأخرج من حياتك ؟

قالت حنان موجهه كلامها لحسن:

-أين ستترك صديقك في هذا الظلام قد نكون بعيدون عن المدينة ؟

-ليذهب إلى الجحيم ،فهو لم يعد صديقي، أنه خائن ..لقد كنت مخدوعا به طوال الوقت .

-لم يخنك أبدا ..أنت وأهم.

تركتهم وتوجهت إلى الحافلة لأخذ حقيبتي وقد إختفى من أمامي الجميع ،جميع الضيوف بما فيهم شهرزاد ،
وسمعت حنان تقول لحسن :

-على الأقل هو لم ينظر إلى جسدي كأنت ..لم أكن أعلم بأنك تعتبرني من ممتلكاتك ياحسن؟

-هل سمم أفكارك ذلك اللعين .

حملت حقيبتي وعدت إليه وقلت قبل أن أستدير :

-حسنا أنت إتخذت قرارك وأنا وافقت وبكل أسف ياحسن ،الوداع؟

قالت حنان :

-أين ستذهب في هذا الظلام ونحن قد نكون بعيدون عن المدينة لابد أن نوصلك بالحافلة؟

قال حسن :

-إتركيه يذهب إلى الجحيم لن يبقى معنا.

-قلت :

-أشكرك آنستي ..أعتذر عن ماتسببت به والذي كان رغما عني ولاعلم لي به،
بل وكنت حتى تلك اللحظة لا أؤمن بتلك الأمور أبدا ؟

قالت حنان :

-أنا أصدقك .

في تلك اللحظة وقف حسن بيني وبينها ومد أصبعه يشير لي إلى الدرب ونظر إلي طالبا مني المغادرة ،
ثم إستدرت ومشيت بينما أجهشت حنان بالبكاء من جديد ،وحسن لايزال ثائرا.

* * * * * * * * * * *

مشيت إلى جانب الشاطىء الطويل جدا وأنا أنظر عسى أن أرى الأضواء من بعيد، ولا أنيس لي سوى القمر في السماء ،
وقد أدركت في تلك اللحظة بأن شهرزاد وقومها لم يكونوا سوى قوم من الجان حضروا بسبب كتاب صديقي مأمون..وقد إختفوا بمجرد حرق الكتاب .

             "إنتهت القصة"
   وإلى قصة أخرى....

تيسيرالمغاصبه 
١٤-٧-٢٠٢٣

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشاعر / حسن علي النشار

بقلم الشاعر/أيمن الصاوي

بقلم الأديب الشاعر/د. الشريف حسن ذياب الخطيب