بقلم الكاتب/تيسير المغاصبه

(في عتمة الحافلة )
   سلسلة قصصية
  "الموسم الرابع "
         ٢٠٢٣
-------------------------------------------------------

     القصة الرابعة
   "مابعد الغضب "
           -٢-

مع استمرار الحديث بيني وبين صديقي ومناصري الجميل شاط ،لم أتنبه إلى المرأة التي لاتزال ترتدي النقاب وكانت جالسة أمامي مباشرة "هذا إن كانت إمرأة ولم تكن شابا".
كانت تسمع صوتي وتهز رأسها كل حين مستنكرة تلك الأحاديث. 
وكنت أتساءل دائما لماذا لم تفعل كالباقين ،
قال صديقي شاط وهو لايزال يتحدث بسخرية:

-قلت لي ياصديقي بأنك ستحرق ؟

-نعم أن هذا ما سأفعله ولن أتراجع أبدا.

-لكني أرى بأنك متجه إلى العقبة ..وهل يوجد بها شيء يمكن حرقه هههههه..أراك تنوي حرق الجبال والصخور والرمال ؟

شعرت بتلك اللحظة كم كنت ساذجا وسألت نفسي فعلا هذا السؤال " لماذا أنا متوجه إلى العقبة" ولم أجد أي جواب .
تابع شاط:

-إن كنت فعلا تريد أن تحرق أنا سأدلك على خير الطرق وأسهلها وأكثرها فعالية لحرق أكبر المساحات الممكنة ؟

-لماذا تريد ذلك ..اتحب رؤية الحرائق.

-بل لأني أحببتك وسأبقى إلى جانبك ولن أتخلى عنك أبدا؟

-حسنا أخبرني فأنا كلي آذان صاغية .

إقترب مني أكثر ولفحتني أنفاسه الساخنة وقال :

-لمجرد وصولنا إلى محطتنا الأخيرة ماعلينا سوى العودة فورا إلى عمان ،نسترح يوما واحدا ومن ثم نتوجه إلى منطقة "ع.ك" المليئة بالأشجار والأحراش ..هناك إن ذهبنا تحديدا في اليوم التالي ستخدمنا الرياح الخماسينية بالاضافة إلى حرارة الشمس..هنا ماعليك سوى أن ترم بعقب سيجارتك تحت إحدى الأشجار لتحط فوق الحشائش الجافة وسرعان ما ستشتعل الأرض لتتحول إلى جحيم ..وستصل النيران إلى مولد كهرباء مخفي عن الأنظار ،وسيشتعل ويزيد من غضب النيران وسيستمر مدها ..وهكذا؟

-ياإلهي ..كم أنت داهية ياشاط.

-لم تر شيئا بعد ،أن تلك ستكون مجرد بروفة من الحرائق البسيطة مقارنة بما سنفعله فيما بعد ياصديقي ..أن الغضب الذي يستطيع حرق مدن وتدميرها بأكملها غالبا يكون سببها عقب سيجارة محتضرة ،المهم في الأمر أن يبقى غضبك مشتعلا؟

كان لايزال يمسك بيدي ويشد عليها ،ثم قال متابعا:

-سأكون معك دائما ياصديقي ..وسأنصرك؟

-أنا ممتن لك ياصديقي ..كذلك أنا سأنصرك.

-إذا ومنذ تلك اللحظة نحن حلفاء ؟

-تمام.

-لكن حتى تستطيع فعل ذلك كله عليك أيضا بمناصرة هؤلاء؟

-وماشأنهم بذلك .

-ههههههه بل هم كل شيء ..هم الذين سيصبحون عيونك في كل مكان ..أنهم ومنذ اليوم سيكونون جيوشك..أن قرابينم القتل والحرق؟

-حسنا ..وكيف أستطيع مناصرتهم.

-بتنفيذ رغباتهم والانصهار معهم؟

-أنا مستعد لذلك.

-حسنا إذا إتفقنا ..أن جميع قططهم في إنتظارك ياعزيزي هههههه؟

شعرت بحماس كبير جعل جسدي يشتعل نارا ،فشعرت بالحرارة الشديدة تجتاح جسدي بالرغم من الهواء البارد المنبعث من المكيفات ،فقمت بنزع قميصي من عن جسدي المشتعل ونهضت من مكاني ومشيت متوجها إلى هؤلاء بينما شاط يضحك بسرور ونشوة .

* * * * * * * * * *

عدت إلى صديقي الجميل شاط وقد إمتلأ جسدي ووجهي بأزرقاق أشبه بالكدمات من إثار تلك الزيارة التي استقبلت بها بالقبلات العنيفة..المتوحشة.
ما أن رأني شاط ورأى الإزرقاق المنتشر على وجهي وجسدي حتى أحاطني بذراعيه ولثم وجهي هو أيضا بالقبلات وقال بسعادة ونشوة الانتصار:

-أنت الأن قد أصبحت واحدا منا ..أهلا وسهلا بك؟

لكني شعرت ببعض الغصة عندما تذكرت المنطقة الأولى التي وقع إختيار شاط عليها لتحترق ؛لقد كانت هي أول ذكرى لي مع اخلاص عند أول تعارفنا ،وقد كتبنا حرفينا على ساق أكبر شجرة هناك بداخل قلب ،وأن ذلك القلب سيكون مصيره الحريق مع باقي أشجار الغابة ..و..بالتالي ستحترق اخلاص..وعندها سيحترق بداخلي ماتبقى من كل شيء جميل.
ياترى لماذا إختار شاط هذه المنطقة أولا ،
إستمر حديثنا والذي أثلج صدري وقد شعرت بأني أصبحت قوي وقد بدأت التفكير بهدوء وكيف سأخوض حربي بصحبة صديقي وجيشي بعيدا عن الانفعال والتصرع والسذاجة التي تجعلني أرتكب الأخطاء.
لكني كنت في حيرة من أمري ؛لماذا صديقي شاط أيضا يريد أن يحرق ويدمر ،هل هو إنسان أخر ناقم وغاضب بسبب ظلم وقع عليه، أم أن 
 الجميع غاضب وينوي التدمير لأسباب مختلفة ..أم هي الصدفة وحدها التي جمعتني بشاط وببقية أتباعه. 
تفاجأت بالمرأة ذات النقاب والتي كانت تجلس أمامي تقف وتطل علي من وراء المسند وتقول لي معاتبة:

-لم أكن أعلم أن الغضب سيبدلك إلى هذه الدرجة ياسامح؟

قلت بدهشة وقد عرفت صوتها:

-اخلاص ..ماذا تفعلين هنا.

-لقد أجبرتني ياسامح على الصعود مع عبدت الشيطان لحمايتك من نفسك ومن الغضب الذي أنساك كل شيء جميل ؟

- لكن ذلك لن يغير شيئا .

-لقد كنت معك منذ اللحظة الأولى التي تركتني بها ..اللحظة التي تركت بها حبيبتك اخلاص بسبب غضبك والذي إن دل على شيء فأنه لايدل سوى على الضعف والخيبة..لكني كلي أمل بعودتك إلى صوابك ياعزيزي قبل أن تدمر كل شيء جميل حولك؟

-أرجوك ياح......أنا الأن شخصا أخر .

-لماذا لم تكملها ياعزيزي..هل أصبحت عارا الأن ..أنا لاأصدق بأنك سامح..حبيبي سامح ..لكن...لكن كلي أمل بعودتك ..ولن أتخلى عنك كما تخليت أنت عني ؟

قال شاط:

-لا تصغي إليها أنها تريدك عاجزا عن كل شيء؟

-................. .

-أنها تريدك إنسانا ضعيفا ؟

-................. .

-بلا شك هي تريدك إنسانا ذليلا؟

قلت موجها كلامي لها:

-لقد إتخذت قراري يااخلاص وقد تغير طريقي ..لابد أن نفترق؟

-أن طريقنا واحد.

قال شاط:

-لا تضعف؟

-............. .

-لاتصغي إليها ؟

-............. .

-أنها تريد إهباط عزيمتك يبدو أنها لاتفضل الرجل القوي ..الشديد عند الغضب؟

قلت لها:

-عزيزتي اخلاص..أ..أرجو منك أن تتركيني وشأني ..لو كنت أعلم بأنك في تلك الحافلة لما استقليتها، ولكان غيرت طريقي ؟

-سألحق بك إينما ذهبت ولن أجعل الغضب بداخلك يحرق كل شيء جميل .

-لقد فات الأوان وتغيرت فعلا؟

-لا أبدا فأنا أعلم من هو سامح.

قال شاط:

-أنها ماكرة ؟

-............. .

-متآمرة عليك مع أعدائك؟

قلت لشاط:

-اطمئن لن أصغي إليها أبدا ياصديقي.

قالت اخلاص عندما لم ترى أحد وهي كلها دهشة:

-مع من كنت تتحدث طوال الرحلة؟

- هو صديقي شاط.

-لكني لا أرى أحدا هنا ؟

من نظراتها إلي وعندما لم تر شخصا إلى جانبي شعرت بأنها بدأت تعتقد بأنه قد أصابني مس من الجنون فأعتقدت بأني كنت أكلم نفسي ،نهضت من مقعدها وجائت إلي وقالت بعطف:

-إفسح لي مجالا للجلوس إلى جانبك ياعزيزي؟

-نظرت إلى مكان شاط وقلت :

-لكن صديقي.....

لكن شاط لم يكن في مكانه إلى جانب النافذة .. جلست في مكانه بينما جلست اخلاص في مكاني ،في تلك اللحظة رأيت شاط يقف في الممر ويطل علي من جانب اخلاص دون أن تراه ،وكان يحذرني بواسطة أصبعه بأن لاأصغي إليها.
هنا أدركت اخلاص بقوة إيمانها بأن الذي كان يحدثني طوال الطريق دون أن تراه ماهو سوى الشيطان فقالت مستعينة بالله:

-أعوذ بكلمات الله التامات من شر ماخلق ..أعوذ بالله منك أيها الشيطان؟

هنا بدأ شاط بالارتعاش من ذكر الله وقال لي :

-سأذهب الأن ياصديقي لكني لن ابتعد عنك كثيرا أرجو أن تبقى قويا؟

وتابعت اخلاص :

-ماذا تريد أن تحرق ياسامح ..هل سامح الذي يفعل ذلك أنا لااصدق أبدا؟

-نعم الأن أفعل بعد أن غيرني الظلم والاستبداد ياعزيزتي اخلاص ولا يوجد أي قوة تستطيع منعي .

-أنا لست قوية ..لكني حبيبتك ..أنا اخلاص ..هل تنوي حرقي..أتريد أن تحرقني ياسامح؟

-............... .

لقد كانت اخلاص مصممة على جعلي أتراجع عن قراري ..وأن تطفىء غضبي ، وتابعت:

-قلها ياعزيزي..بلا شك أنت تريد حرقي ..أنسيت عندما كنت تقول لي دائما أنت وطني ..هل ستحرق وطنك؟

-............... .

-عزيزي سامح الذي يسامح دائما ..ويغفر دائما..أن كل شيء حتما سيتغير وسنبقى نحن ..وعند الضرورة سنسافر لعدة سنوات فيها نبني أنفسنا ومن ثم نعود ؟

-أن الكلام سهل جدا ياعزيزتي ..أرجوك ..لاتهبطي من عزيمتي .

-والفعل أيضا سهل بالنسبة للرجل القوي ..الرجل الذي عرفته..واحببته..الرجل الذي يتمالك نفسه دائما عند الغضب ؟

-لكن هذه المرة قد استنفذت كل طاقتي ..وإن تراجعت فسأموت قهرا .

-أن ذلك الكلام لا يصدر سوى من الرجل الضعيف وليس من سامح الذي عرفته.

* * * * * * * * * *

أستمر الحديث دون نتيجة مرجوة تصل إليها، حتى وصلت الحافلة إلى مدينة العقبة ورأيت البحر من بعيد وافتقدت شاط بسرعة ..لقد أحسست بأنه هو الذي يمنحني القوة والاقدام .
وقلت في نفسي " أرجوك لاتتركني ياشاط ..و ..لاتتركينني يااخلاص ..لقد تشتت فكري ..وتناقضت مشاعري واحاسيسي ..لقد احترت مابين اتباع صديقي الشيطان شاط الذي يمنحني القوة والثقة بالنفس والاقدام ،أوحبيبتي اخلاص الحبيبة الوفية والتي هي الشيء الوحيد الجميل المتبقي في حياتي "
وأنا في تشتتي رأيت اخلاص تشتعل وتأكلها نيران حقدي في تلك الغابة بينما هي تصرخ وتستغيث بي بينما أنا وافقا،جامدا كالصخر ،فصرخت" لا..لا يمكن "
ترجل الجميع من الحافلة ولفحتنا حرارة الشمس الحارقة ونحن في مناخ لم نعتاده..اصطف حولنا الجيش المساند من عبدت الشيطان بعد أن أرتدى الثياب المحتشمة متسترا بها ،كان شاط ينظر إلي من بعيد ويشير إلي باصبعه الإبهام بمعنى "أوكيه"
مدت اخلاص يدها إلي وهي تشعر بأن الأمل قد أصبح ضعيفا جدا في اقناعي وسط تلك الجيوش المتحصنة بثياب العفاف وقالت:

-أعطني يدك وهيا بنا نعود ياعزيزي ..فأنا لا أستطيع العيش بدونك ؟

لم أمد لها يدي وبقيت في حيرتي وتابعت:

- هيا بنا ياعزيزي؟

-أ...أنا....

نظرت إلى شاط وإبتسامته المشجعة وثم تراجعت إلى الخلف ،هنا أجهشت اخلاص بالبكاء بخيبة أمل وقالت بألم:

-حسنا ياعزيزي ..الأن أدركت ماهي قيمتي بالنسبة اليك ..لكني سأكذب على نفسي مجددا و سأذهب ..لكن في الغد سأكون هناك إلى جانب الشجرة التي كتبنا عليها حرفينا ..إما أن تحضر إلي وتحتضنني كما كنت تفعل عند كل لقاء ..عندما كنت سامح لتشعرني بالأمان ومن ثم ننطلق معا إلى الحياة ..وإما أن تتركني في محرقة حقدك كي أتفحم هناك..يا لك من قاس؟

إستدارت وجرت مسرعة وتركتني حائرا بين جيوش الغضب من عبدت الشيطان وضحكات شاط المرتفعة.

* * * * * * * * * * *

وأنتهت حيرتي..وتذكرت مارددته دائما لاخلاص ..
أنت وكبريائي جزء لايتجزأ..
نعم أنت وطني ...
وأنت الباقية ..وأنت فقط ماسأتمسك به وما سأحيا لأجله.
أنت الوطن ..أنت الشيح والدحنون والزعتر ..وبأمرأة مثلك
 أفخر ...
شعرك كذلك الشلال المتدفق من الأعالي في الأرض العذراء ..
تلك الجبال الخضراء الشامخة فقط إينما
 وطئت يااخلاص في مختلف مراحل عمرك..طهرتها ..وأنبتت أزهارا..
أغصان أشجار الكينا المتدلية كجدائلك العطرة..
وذلك النبع الصافي كم اسقاني من شفتيك الشهد ..ولم أرتوي بعد ..
لن أحرقك ..
لأني بذلك سأحترق معك،
 ؛ بل سأحرق كل يد تفكر بمسك بأذى ..
يا اخلاص ..
ياوطني اخلاص ..
أنا قادم إليك ...
إنتظريني.

          " تمت القصة "
   وإلى قصة أخرى...

تيسيرالمغاصبه 
٦-٧-٢٠٢٣

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشاعر / حسن علي النشار

بقلم الشاعر/أيمن الصاوي

بقلم الأديب الشاعر/د. الشريف حسن ذياب الخطيب