بقلم الأديب/حسن عبد المنغم رفاعى

المصير المحتوم
=============
استيقظ أحمد كعادته في الصباح ولكنه لم يخرج من سريره كالمعتاد وبقي صامتًا يفكر في كل ما جرى من أحداث في الأيام الأخيرة، وتذكر منى وما حدث معها من تعالٍ وكبرياء في البداية ثم القرب منها وشعوره بالحب تجاهها وما لمسه من حنان ورقة حتى انتبه على صوت زوجته مها ونظرت إليه وهي تقول:
-أحمد ماذا بك؟ أراك شارد الذهن وأنادي عليك ولا ترد؟
ابتسم أحمد وهو يحاول أن يخفي عنها الحيرة والقلق اللذان يعتريانه ولكنه تمالك نفسه
وقال بأن سيدة قد صدمته بسيارتها وهو يعبر الشارع بها!
فردت قائلة:
- لماذا لم تخبرني؟ أنت بخير ،هل تشعر بشيء يؤلمك؟
فقال:
- ما أردت أن أزعجكِ وأنا الحمد لله لا يوجد شيء يؤلمني.
فقالت:
- إذا كنت تشعر بالتعب فسأحضر لك الفطور هنا؟
قال:
- لا سآخذ حمامًا ونفطر معًا
وفي المساء خرج وجلس على شاطئ البحر في شرود يحاول أن يتذكر ملامحها ويرسم صورتها من جديد فلم تسعفه ذاكرته لسرعة ما حدث ؛ورجع لنفسه قائلا مجرد موقف مر ومضى عائد لبيته وزوجته وسارت حياته في رويتنها ومرت الأيام وقد نسى هذا الحادث تماماً.
بدأت العلاقة بين زوجته فى الفترة الاخيرة بالفتور وقد اهملته سواء بالمشاعر والأحاسيس او فى علاقتهم الحميمية متعللة لانشغالها بالبيت والأولاد بأنهم يأخذون وقتها ومجهودها ويسبب لها ارهاق شديد درجة ترفض الخروج وقضاء اوقات ممتعه معه خارج المنزل او فى زيارات عائلية؛ وفى يوم من الايام كان مدعو لحفل قران احد الزملاء بالعمل بأحد النوادي على النيل وقد رفضت مها الذهاب معه معتذرة لأنها مرهقة فذهب وحده ،كان مقامًا في نادٍ على النيل وبعد الانتهاء من مراسم عقد القران وتبادل التهاني ؛ وانسحب في هدوء بعيدًا عن ضوضاء الحفل وأخذ مقعدًا بعيدًا أختلي بنفسه ويتطلع للمراكب الواقف على المرسى والتي تمر تزينها الأنوار والموسيقى الصاخبة والجميع يرقص فى فرح وسعادة على انغام الموسيقى كأنها نجومًا فى السماء، والقمر ينعكس ضوؤه عليها قارب صياد هو وزوجته هو يرمى شباكه ينتظر رزق الله له وهى تجلس امام موقدها تعد له الشاي منظر فيه معنى التعاون والكفاح والسعادة التي تغمرهم رغم ما معانتهم لأجد لقمة العيش ؛ وبين زوجته وحياته التي اصبحت جافه من المشاعر الدفء والحنان رغم انها تحبه وهو يحبها ؛ انتبه على صوت يقول:
-هل تسمح لي بالجلوس؟
فرفعت عيني فنظرت فإذا بسيدة جميلة الطلعة في كامل هندامها وزينتها، و تضع عطرًا لم أستنشق مثله من قبل؛ فملأت المكان كله نشوة وبهجة،؛ولمَّا توجهنا علت شفتيها ابتسامة خفيفة كأنها وجه القمر لروعتها وجمالها، تبادلنا الابتسامات والنظرات لم أستطع الرد.
فقالت:
- هل ستقول لي تفضلي اجلسي أم سأقطع خلوتك؟
تمالكت نفسي ووقفت وقلت متلعثمًا: لا أبدًا تفضلي حضرتك المكان هناك مزدحم.
- ردت قائلة : فعلا عند حضرتك حق فما تقول.
فقال: هذا من حسن حظى هل عند حضرتك مانع نجلس معًا.
قالت: ليس عندي مانع طالما لا اسبب لحضرتك ازعاج.
وقدم لها مقعداً تفضلي وجلست ثم قال:
-أنا أحمد مهندس وزميل العريس بالشركة وحضرتكِ؟
قالت: مدام منى مديرة فرع لأعمال الشحن والتفريغ بالميناء وقريبة العروسة.
قال: فرصة سعيدة القاهرة منوره بكِ.
قالت: منورة بأهلها وسكتت برهة واسترسلت تقول حضرتك هل تذكرني ؟
قال: بصراحة متأسف لا اتذكر ولكن ملامح حضرتكِ ليست غريبة عنى.
قالت : فعلا صدفة غريبة أن أجد حضرتك موجود هنا ولكن أنا اذكرك ولذلك جئتك اكرر أسفي فلم يسعفني الوقت لاعتذر لك وهل سامحتني على ما حدث؟
قال: على ماذا اسمحك وهذا اول مره اقابل حضرتكِ فيها ؟
قالت: لقد تقابلنا في ظروف غير سارة الا تذكر منذ مدة تعرضت لحادث سيارة ؟
قاله: فعلا حدثة منذ مدة وكيف عرفتي بها ؟
قالت: أنا من كانت تقود السيارة التي صدمتك فهل تذكرتني الان وتسامحني؟
قال: المسامح كريم لقد سامحتك منذ حدوثها.
واخذنا نتبادل أطراف الحديث وتعالت ضحكاتنا ، لم ندر كم من الوقت مضى علينا حتى بدائت الأضواء تنطفئ وجاء احد أفراد الامن يخبرنا بأنه معاد غلق النادي، عرضت عليها ان اصطحبها حيث أن الوقت متأخر لكن اعتذرت وقالت انها ستعود بسيارتها وشكرتني ومضى كلانا فى طريقه ؛وفى طريق عودتي افكر فى ترتيب الاقدار كم كانت صدفة غريب وضحكة؛
وسارت الأيام دواليك في رتبتها، حتى أرسلتني الشركة لفرعها بالإسكندرية لإنجاز بعض الأعمال هناك، وبعد الانتهاء منها أخذت في التجول بشوارعها لأمضي ما تبقى من الوقت إلى ميعاد قطار العودة، حتى وصلت لـ "كافية على البحر"، دخلت لأستريح وأحتسي فنجانًا من القهوة، وجلت بنظري في أرجاء المكان لأجد طاولة لأجلس عليها، ولفت انتباهي سيدة تجلس بالقرب من النافذة وكنت أقف بعيدًا من خلفها فلم أتبين ملامح وجهها، ولكن انتابني إحساسٌ غريب، فهل هذا معقول أجدها هنا وعلى غير ميعاد؟! فاستجمعت شجاعتي وتقدمت نحوها، قائلًا:
- حضرتك منتظرة أحدًا أم تدعينني للجلوس؟
فالتفتت نحوي وقد انعقد لسانها عندما رأتني، علت وجنتيها ابتسامة ساحرة تأخذ الألباب، ومدتْ يدها لمصافحتي؛ فسرت بجسدي رجفة كأنها ماس كهربي،
قالت: لا لست أنتظر أحدًا، تفضل بالجلوس. وجلستْ، واسترسلت
قائلةً: ما الظروف السعيدة التي أتتْ بكَ للإسكندرية؟
قال:مأمورية هنا، ولو كنت أعلم بأني سوف أراكِ لقدمت منذ زمن.
فتبسمتْ في خجل، ثم قالت:أنتَ اليوم ضيفي.
فضحكتُ قائلًا: لا أنتِ دائمًا في ضيافتي ، فضحكتْ،
وقالت: شكرًا على ذوقك ومجاملتك الرقيقة بل أنتَ اليوم ضيفي بجد ولن أقبل أعذارًا، هل تريد شرب القهوة فى الاول قبل ان نطلب الغداء فلست بخيلة أعتقد أنك لم تأكل شيئًا مثلي، وبعدها نشرب القهوة.
فضحكتُ قائلًا: طيب القهوة عليَّ أنا فضحكتْ؛ فكانت أجمل ضحكة سمعتها في حياتي وأتى النادل بالطلبات وأطبق الصمت ونحن نتناول بعض الحلوة والشاي، ولم يخلُ الصمت من النظر لبعضنا وتبادل الابتسامة، ولم يقطع الصمت إلا قدوم النادل لرفع الأطباق الفارغة وأحضر القهوة، وأخذنا نتحدث في مواضيع وأشياء كثيرة، وعلمت منها انها تحضر كل شهر لزيارة ولدتها التي تقيم بالقاهرة ؛ ومر الوقت بسرعة ، البرق واقترب معاد القطار حانت ساعة الفراق وقمنا ننصرف وطبعا انا من قام بدفع الحساب فليس من الذوق ولا الاصول ان اتركها تدفع هى وقد اتفقنا على أن نتقابل حين تحضر القاهرة وتعددت اللقاءات بيننا ؛ فلقد كان زوجها من ابن خالتها زواج عائلي رغما عنها ؛ وكانت تعيش هي الاخرى فى حرمان من المشاعر واحاسيس الحب ؛ و كان كل لقاء بينهم يجمع بين قلبهم شيء فأشئ ؛ وأصبح ميعاد مقدس أن يلتقيا فى اليوم الأولى من كل شهر حين تأتى من الاسكندرية لزيارة ولدتها كل شهر وقبل ان تذهب اليها واحيانا عندما يذهب الى الاسكندرية فى عمل ؛ وفى ذلك اليوم كعادتنا للقاء ذهبت قبل الميعاد جلست على طاولتنا المعتادة التى تطل على النيل أنظر الي الساعة في انتظار تحرك عقاربها لتدق الثانية عشر ظهرا جاء النادل وأحضر فنجانين من الشاي وضع أحدهم أمامي والأخر في الجهة الأخرى ولكن مازال حبيبي لم يأتي بعد انتابني القلق والتوتر وفلم تكن تتأخر عن ميعادنا ولا مره بل كانا دائما يأتي قبلي ويكون بتنظر قدومي وانتبهت على رنين الهاتف وجاء صوتها من بعيد
منى : أحمد متأسفة لن استطيع الحضور اليوم !
أحمد: لماذا؟ هل حدث لك مكروه ارجوك طمينني عليك؟
منى:- أحمد أطمئن انا بخير الحمد لله.
أحمد: مالك يا منى فى ايه؟ انا كده قلقت اكثر من الأول.
منى: ولكني لا اعرف ماذا اقول لك!
أحمد: منى ماذا تريدي ان تقولي؟ فيه ايه صارحيني؟
منى: لا أعرف كيف دخلتِ حياتي وكأني أعرفك منذ أمد بعيد و تسلل حبك إلى قلبي وفرض سطوته على مشاعري وأحاسيسي.
أحمد: منى حبك وروحك تجري في جسدي مجرى الدم.
منى: ولكنها حتما ستنتهي فكلانا له حياته الخاصة التي يحيها بعيدًا عن الآخر.
أحمد: لكن الحب جمع بيننا رغمًا عنَّا وغرقنا فيه معا ، فالحب أعاد أرواحنا ونبض قلب قد توقف عن الخفقان منذ سنين.
منى: لقد كانت ثورة مشاعر واحاسيس من الحرمان!
أحمد: لم تكن ثورة مشاعر احاسيس بل حب صادق جمع قلوبنا معًا.
منى: لكن أنكرنا الفكر ولفظنا العقل خارج حياتنا ولا نعلم كيف ستنتهي فا قصتنا ليس لها نهاية واقعية ولا منطقية؟
أحمد: عندك حق ولكن أيضًا كلانا لا يريدها أن تنتهي وتركنا للقدر أن يقول كلمته.
منى: أحمد لقد حاولت كثيرا ان ابتعد عنك فلم استطع ذلك!
أحمد: وماذا حدث لتقرر التخلي عن حبك الابتعاد عنى؟
منى:- لقد وصلنا لمفترق الطرق ام دمار حياة اسرتين او نضحى بحبنا وهكذا حكم القدر وان تنتهى قصتنا معا بالفراق ولنحتفظ بها في قلوبنا وباللحظات السعيدة التي جمعت بيننا.
أحمد: فلا أظن أنك سوف تنسِين حبي وأنا لن أنساك ولا حبك مهما حييت، الوداع يا أغلى حبيبة.
منى: بل أجعلها وداع بين الاصدقاء على امل اللقاء!!
تمت فى / 27 / 9 /2021
=====================
الأديب/ حسن عبدالمنعم رفاعى

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشاعر / حسن علي النشار

بقلم الشاعر/أيمن الصاوي

بقلم الأديب الشاعر/د. الشريف حسن ذياب الخطيب