بقلم الأديب /محمد الحسيني

ظِلالُ مِرآةٍ مُبَلَّلَة 3
"حينَ عانَقتْ ذاكِرَتي بلُطفِكَ"

"ما تَرَيْنَهُ في مِرآتي..." قالَ بلُطفٍ،
"لَيْسَ وَجْهي، بَلِ انْعِكاساتُ ظِلالٍ غابَت،
ومَشاعِرُ لَم تُعْطَ حَقَّها،
وحاجاتٌ مُؤَجَّلَةٌ تَبْحَثُ عن مَلاذٍ آمِنٍ...
فَوَجَدْتِنِي، أنا الحاضِرَ، لأحْمِلَ أثْقالَ الغائِبِينَ."

قاطَعَتْهُ دونَ أنْ تَنْظُرَ في عَيْنَيْهِ:
"وأنتَ الّذي... تَتَحَطَّمُ بِها مِرآتي الخاصَّة.
تَتَناثَرُ في كُلِّ قِطْعَةٍ وُجوهُ حِكايةٍ:
أبي الغائِبُ الّذي...
وأمِّي الّتي أَهْمَلَتْني عَمْدًا...
ومُعَلِّمي الّذي لَم يُدْرِكْ مَوهِبَتي جيِّدًا...
وحَبيبي الخائِنُ لَحْظَةَ السَّرير...
أتَجَمَّعُ في كِسَرٍ مُتَناثِرَة،
وصَمْتٍ مُؤْلِمٍ، و...
أشْعُرُ بِالعُرْيِ وَالخَجَلِ أمامَ حَقيقَتي."

"يَسْقُطُ القِناعُ، ويَنْكَشِفُ الوَهْم،
حينَ كُنْتُ أُحِبُّ فِكْرَةَ الحُبِّ بِذاتِها،
وأُحِبُّ الإصْغاءَ الّذي حُرِمْتُ مِنْهُ،
وأُحِبُّ الاهْتِمامَ الّذي جَفَّ نَبْعُهُ في وَجْهِ طُفُولَتي،
وأُحِبُّ أداةَ إشارَةِ الفَهْمِ العَميقِ لِذاتي...
وَهذا الّذي يَحْمِلُني إلى عَيْنَيْكَ...
وهَلْ هُناكَ شَيْءٌ أكْثَر؟"

"وأمامَ تَساقُطِ أوراقِ الخَريف،
أبْدو كَشَجَرَةِ الحَقيقَة،
بارِدَةٍ في صَقيعِ إدْراكِي الجَديد...
لَكِنَّني، ولِأوَّلِ مَرَّةٍ، أشْعُرُ أنَّني...
رُبَّما سَأنْبُتُ مِن جَديد."

وحينَ انْتَهَيْتُ مِن حَصادِ تِلْكَ الأحاسيسِ،
بادَرَني بِصَوْتِهِ،
الّذي ولِأوَّلِ مَرَّةٍ، فيهِ شَيْءٌ مِنَ الرِّضا:
"كُنْتِ تَبْحَثينَ عن حُبِّ ذاتِكِ المَفْقود،
وَعَنْ جِسْرٍ يُعيدُكِ إلى بَرِّ الأمان،
عَنْ صَوْتٍ يُرَدِّدُ أصْواتَ مَنْ رَحَلُوا...
كُلُّ اعْتِقادِكِ أنَّها رِحْلَةٌ في مَراكِبِ قَلْبِي،
لا... كانَت كُلُّها مِن خِلالِ قَلْبِكِ أنْتِ،
وها أنْتِ تَكْتَشِفينَ بِذاتِكِ ذاتَكِ الآن."

( محمد الحسيني )

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بقلم الأديبة /رضا العزايزة

الشاعر / حسن علي النشار

بقلم الاديب الشاعر/محمود عمر أبو فراس