بقلم الأديب الشاعر/محمد الحسيني
حين تُلقى البنادقُ من النوافذ،
وتُودِعُ القرى سلاحها في كفّ وعدٍ مبتسم،
لا يكون الصمتُ سلامًا، بل بدايةً للخنجر.
فالخيانة لا تدخل بالسيف، بل بالحروف الناعمة.
وهكذا تُذبح المدن، لا في ساحات الحرب،
بل في تلك اللحظة التي ينامُ فيها الحذر،
ويستيقظ الموت على صوت "اتفاق".
حين أُسقِطَ السيف 4
الحكاية الرابعة : "صفد... حين خبأوا الموت في الوعد"
صفدُ ... سيدةَ الجليلِ التي لا تغمض،
فيكِ كان الزيتونُ يتوضأ وجه الفجر ،
والأجراسُ تردُّ على المآذنِ بـ"آمين"،
وكانت جداتُكِ يُطعمن القصائدَ للرضع،
ليكبروا على حكايا الأرض، لا على حليب الغرباء.
صفدُ،
حين كان الرجالُ يتوضؤون بالتراب،
ويخرجون من أزقة "الحارة التحتا"
كأنهم فصولٌ من سفر الحنين.
علي حسين بدر،
ذاك الذي عرف البنادقَ قبل أن يعرف دفء الوسادة،
كان يقفُ على سطحِ بيتهِ العالي،
يراقبُ الدخانَ يصعد من "حيّ العمري"،
ثم يشير: "هناك... هناك سنموت، ولكن واقفين."
حسن عودة،
الفتى الذي كانت أمّه تخبزُ اسمه كل فجر،
خرج بسلاحٍ أعرج، وصدرٍ مليءٍ بالجبال،
وقال: "نموتُ هنا، أو نعود لنزرع القصيدةَ في الحقول."
ثم جاء الوعد...
بصوتٍ غربيٍّ يشبهُ الموسيقى الكاذبة،
"هدنةٌ، سلامٌ، لن تُمسّوا، فقط ضعوا البنادق جانبًا،
الحربُ انتهت، والنوايا بيضاء."
صدقوا...
ليس لأنهم طيبون،
بل لأنهم تعبوا من دفن الأطفال بأيديهم.
تراجعت البنادق،
ودخل الليلُ المدينةَ بلا رصاص،
لكنّه خبّأ في جيبه مذابحَ كاملة.
في فجرٍ دون طائر،
استيقظت المدينةُ على الحرائق،
على أقدامٍ ثقيلة تدوس الأزقة،
على جنودٍ يطوون الأحياءَ حيًّا حيًّا،
في "حيّ القلعة"، اختنق الحجر،
في "الصفّ الشرقي"،
أُعدِم الجدُّ وابنه وحفيده في صفٍّ واحد.
وعلي...
لم يُقتل برصاصة،
بل بكلمةٍ صدّقها.
سقط على باب بيتِه،
وفي يده المفتاح...
وفي عينيه سؤالٌ ما زال يئنّ:
"أهذه صفد؟"
من يومها،
علّقت النسوةُ الثوبَ الأبيض على بوابةِ المدينة،
لا فرحًا،
بل حدادًا على زمنٍ صدّقنا فيه أن السيف
يمكنه أن ينام في حضن وعد.
تعليقات
إرسال تعليق